تأجيل موت الريال
يمنات
فكري قاسم
مسكين الريال اليمني، تتقلفد الدنيا كلها فوق راسه وهو كأي كائن عثير لا يعرف ما الذي يحدث له في هذه الحياة، ولا يعرف حتى كيف ينبغي له التصرف أو المواجهة حيال حياة عدم الاستقرار التي يعيشها.
وما الذي يمكن لريال مقطوع من شجرة أن يفعله حيال حظه العاثر في الحياة. فهو كائن مسكين وعلى نياته ولكنه وقع بين أ�ادي لصوص عديدين، كلهم زنوات وهو وحيد يواجه محنة الانحسار والتدهور ويتهاوى على مرأى ومسمع من الجميع ولا أحد يبالي به لأن كلهم مشغولين بملاطفة الدولار.
ولو تخيلنا الريال اليمني مثلاً طالباً يدرس في البنك المركزي صحبة طلبة آخرين، هم: الريال السعودي والريال العماني والريال القطري، فإنه سيكون الفاشل الدائم والمتعثر المستمر، وسيكون مضحكة الفصل ومسخرة الادارة.
ولو كان الريال اليمني بضاعة معروضة للبيع، فإنه لن يجد مكاناً للعرض في الفاترينات مثله مثل أي بضاعة غير مرغوبة. ولو كان الريال اليمني فستان سهرة فإنه سيظل في الرف ولن يحظى بأي سهرة.
ولو كان الريال اليمني جسراً للعبور إلى الضفة الأخرى، فإنه لن يمر من فوقه أحد وسيكون مجرد ممر مليء بالمخاوف وطريق بلا أفق وبلا أي ضمانات مطمئنة للوصول.
ولو قدر للريال اليمني أن يكون حارس مرمى، فإنه سيجلب لفريقه الهزائم الثقيلة وسيكون حديث المشجعين الغضبانين الذين لو وجده أحدهم وهو يسير في الشارع سيرميه بالأحجار وبالنفايات.
ولو قدر للريال اليمني أن يصبح مواطناً، فإنه لن يكون أكثر من ذلك المواطن الذي ذهب إلى الصراف وهو لا يعرف ساسه من راسه.
المواطن للصراف: بكم سعر صرف الدولار اليوم؟
الصراف: قبل ساعتين كان بـ 44 ريال… الآن قده بـ 39 ريال!
المواطن للصراف: طيب تعال قل لابو البقالة هذا الكلام . لأن الباكت السيجارة كان قبل امس الأول بـ 400 ريال ، وأمس ارتفع الى 450 ريال واليوم قده بـ 480 ريال تسأله ليش هكذا ياخي ؟ يقولك الدولار ارتفع.
ولو قدر للريال اليمني أن يصبح دولة، فإنه سيحتار كثيراً، وسيواجه كثيراً من المصاعب، أقلها كيف سيحظى بثقة مواطنيه الذين باتوا يسخرون من وجوده ويتألمون كثيراً من غيابه.
وأما الحيرة التي ستعصف به فهي: أين سيضع رأسه لينام؟
هل يضع رأسه في البنك المركزي في صنعاء؟ أم ينام في البنك المركزي في عدن، أم لا هذا ولا ذاك وعليه أن يفضل النوم في الرياض؟
كل الظروف المحيطة بالريال اليمني ملخبطة ولا تساعده أبداً على الاستقرار، وهو لهذا السبب يعاني من حالة شتات قاسية ولم يسبق له أن عاشها من قبل.
وكأي مريض يرقد في العناية المركزة، يرقد الريال اليمني الآن في مشفى وديعة سعودية حاولت إنقاذه من موت مؤكد. وهو الآن ليس في حالة جيدة، ولكنه يتعاطى العقاقير والمهدئات على أمل التشافي لوقت بسيط، أما الموت فهو مصيره المحتوم، والمسألة مجرد وقت ليس إلا، خصوصاً أن فريقاً كبيراً من الطراطير الكبار يتحكمون باستقراره وإثبات وجوده ككيان وطني سحقته ظروف الحرب ولصوصية المحتربين.
المصدر: العربي